الأحد، 30 ديسمبر 2012

تلخيص كتاب الحداثة وما بعد الحداثة في فلسفة ريتشارد روتي - الجزء الثاني

الباب الثاني
اللغة والهيرمينوطيقا ونقد الابستمولوجيا
 
 
 
 
 
الفصل الأول
ما بعد الفلسفة
 
 
 
أولا فلسفة من دون الفلسفة
 
 
 
ليس هناك ما يدعونا للاستغراب ونحن نقرأ ضمن أفكار رورتي ما يشير إلى فكرة تكون فيها الفلسفة من دون الفلسفة في الشطل أو المضمون . كما لا ينبغي أن نذهل من نزع صفة الفلسفة عن الفلسفة أو بتعبير سلبي هذه المرة , التفلسف بأسلوب لا فلسفي بالنسبة للبراغماتيين فإن مجهودهم إنصب في " محاولة تهدف إلى إيجاد الوسائل لتقديم البراهين اللافلسفية في لغة ليست فلسفية , فإن لغة فلسفية مفرطة تحتوي على إفتراضات أفلاطونية غير منسجمة مع الأهداف التي يريد البراغماتي الوصول إليها "
 
1- نهاية الفلسفة
 
لقد زعم بعض الدارسين لأعمال رورتيوالذين إتقدوا أن الفيلسوف جاء بمواقف معلنه عن موت الفلسفة , وإذا كان المقصود بالنهاية الموت فإن هذا ما ينفيه رورتي بعبارات صريحة ضمن رده على فانسن ديكومب حيث يقول " لا يمكن للفلسفة أن تعرف نهاية , لأن الحياة والثقافة معقدتين إلى درجة أن عددا من الأمور الجديدة التي نريد قولها لا يمكن فيها بدقة إلا بتأقلمنا مع الأشياء القديمة التي نرغب في الإحتفاظ بإستخدامها"
إن الفلسفة لا يمكن أن توجد إلا وسط مناخ حر ومثلما أن ظهورها في اليونان لأول مرة كان يتوفر عامل الحرية فكذلك يرتبط مصيرها بوجود الحرية . هذه الأخيرة التي تعتبر في أعين رورتي الغاية الوحيدة في المجتمع الليبرالي . ويضيف رورتي موضحا موقفة النافي لنهاية الفلسفة والمؤكد على حاجة الأنسان إلى الفلسفة " سنكون بحاجة على الدوام إلى إعادة وصف في الفلسفة بمثل ما يكون ذلك في العلوم والفنون , وحينما نعمل على (دفن) الفلسفة فأننا ندفن دائما نظاما معينا مهجورا للوصف , لن تظل الفلسفة مقبرة أبداً , لأن الأوصاف الجديدة التي تستبدل تلك التي هجرت ستصبح آجلاً أم عاجلاً مهجورة بدورها وسكون هناك مرة أخرى فلاسفة لإنجاز المهمة ".
 
 
2- نهاية البراغماتي
 
 
يريد الفيلسوف البراغماتي التخلص من الثنائيات التي عمرت في الفلسفة طويلاً وهو حينما يرغب في التخلص منها فإنه لا يوّد إستخدام نفس المفردات ولا نفس الأسلوب الذي عمدت إليه الفلسفات العقلانية , المثالية أو الواقعية , لأنه بستعماله لنفس أدواتها وأساليبها سيقع بحسبه في نفس الأخطاء أو السلبيات التي عابها عليها . تريد البراغماتية بشكل من الأشكال أن تعيد الأعتبار إلى ( هوامش الفكر ) وأن تعمد إلى إحداث تسوية لميادين الثقافة البشرية . فلا تصبح من ثم الفلسفة سوى مجرد عنصر فاعل في هذه الثقافة كبقية العناصر الأخرى ( الفن , العلم , الدين , الشعر ... الخ ) وعندما نصل إلى تجسيد هذه النظرة لا يكون النظر المجرد أو التأمل الذي يكون هدفه الرئيسي البرهنة والحقيقة الموضوعية عنواناً للفلسفة وإنما تكون الأفكار الفلسفية عوناً مساعداً على توجيه مخططات العمل وتحقق الفلسفة إحدى غاياتها في المحادثة والحوار وفي التصدي للمعضلات التي تجابه الكائن البشري .
 
 
3- ملامح الفلسفة الرورتية
 
 
أ. اللا- ماهوية
 
صفة ميزت جملة من المذاهب الفلسفية المعاصرة أنها كذلك إحدى الخاصيات ما بعد حداثية ذلك أن رفض الماهيات يندرج في استراتيجيات تيارات ما بعد الحداثة التي إستبدلت الماهوية بالعلائقية وبذلك تميزت عن الحداثة في إطار جدلية الماهية والعلاقة . " فمن حيث الرؤية تبدو الحداثة كالقدامة , جواهرانية ما ورائية , بمعنى أن تقول بوجود ماهيات محضة وحقائق ثابتة , بقدر ما تعطي الأولية للموضوعات والمحتويات والدلالات على الأشكال والبنى والمنطوقات . في حين أن ما بعد الحداثة تبدو ذات طابع بنيوي علائقي , إذ هي تعتبر أن ماهية الشيء تتوقف على علاقته بسواه , بمعنى أنه يتقوم بما يختلف عنه , ولا ينفك عن إستدعاء ضده " . يشـــــــرح رورتي ما يقصده باللا- ماهوية ( إنني أعني بها ذلك المسعى الذي يهدف إلى إلغاء التمييز بين الباطن والظاهر ) . يجعل رورتي اللا- ماهوية أهم خاصية تميز البراغماتية ذلك أن أول ما يتصف به المذهب البراغماتي يتمثل في نزعته اللا- ماهوية التي تنطبق على مفاهيم مثل الحقيقة , المعرفة , اللغة , الأخلاق وكذا جميع المواضيع التي تكون محل تنظير فلسفي من هذا القبيل .
 
 
ب. اللا- تمثيلية
 
يكون من المناسب أن يتبع اللاماهوي هو اللاتمثيلي ومن البديعي " إنك إذا كنت لا ماهوياً وتنخرط في نزعه إسمية سيكولوجية ستكون بالظرورة لا تمثيلي وستقول مع ديفيدسون : تكون الإعتقادات حقيقية أو خاطئة لكنها لا تمثل شيئاً " . يعطي رورتي للنزعة اللا- تمثيلية معنى يشير فيه إلى أن ما يقصده باللا- تمثيلي هو ذلك ( التأويل الذي عوض أن ينظر إلى المعرفة على أنها البحث عن رؤية دقيقة للواقع , يرى فيها بالأحرى إكتساب عادات للفعل تسمح بمواجهة الواقع ) .
 
ج. اللا- تأسيسية
 
على خلفية نظرية المعرفة الباحثة في الأسس المعرفية التي تريد أن تقيم بناءات مذهبية تدعي بصلابتها وصحتها ومن ثم تكون دعامات لبناءات أخرى . اللا- تأسيسية ليست أيضاً مجرد خاصية للفلسفة المعاصرة ولكنها في نظر البعض خصيصة تميز ما بعد الحداثة . تشير النزعة اللا- تأسيسية إلى تلك " النظريات التي ترفض الأساس المطلق واللا- تاريخي للمعرفة المتصلة بالذات الأنسانية , اللا- تأسيسية لا تحيل إلى مصدر خارج التاريخ والمجتمع لتبرّر مزاعمها المعرفية .
 
 
 
ثانيا : مستقبل الفلسفة
 
 
أن الحديث عن المستقبل يتضمن في طياته النظر إلى ممكن الحدوث ويكون محل تنبؤ وتوقع نظراً لما يجمله من جديد , وهو نفس هذا المعنى الجديد الذي كان الحداثة إحدى مرادفاته الشيء الذي جعل الآراء تنقسم بشأنها إلى فريقين متفائل وآخر متشائم .
 
1- البراغماتية فلسفة التقدم
 
لم تكن فكرة التقدم التي راودت الأمريكيين مجرد نزوة لامست مشاعرهم أو فكرة نظرية رومانسية صاحبت كتابات المفكرين والشعراء , بل لقد وجدت سبيلها إلى التجسيد بفضل الاصلاح والتغيير . تبعاً لذلك " أصبح حوار الأمريكيين عن فكرة التقدم أكثر إتساقاً وأكثر إنتقاداً وأكسبت نظرية التطور مفهوم النقدم ميكانيزما تاريخيا جديداً , كما أثارت مشكلات وقضايا جادة جديدة عن المعنى المقصود لكلمتي الفرد والمجتمع "  . يقـــــول رورتي ( إذا كان هناك شيء مميز للبراغماتية فهو لا محاله يكمن في إستبداله لمعاني الواقع , العقل , الطبيعة . بمفهوم مستقبل أفضل للإنسانية , يمكن أن نقول عن البراغماتية ما ذكره نوفاليس عن النزعة الرومانسية بأنها تعظيم للمستقبل " .
 
2- من فلسفة المستقبل إلى مستقبل الفلسفة
 
يرى رورتي يمكن أن يجد فيها أحدنا على الأقل ستة إمكانيات لمستقبل الفلسفة بعد أن تحل المشاكل التقليدية وهذه الإمكانيات هي : -
أ. من شأن محو الدعوى التي ترى بأن ما يجمع مختلف فروع الفلسفة اللغوية هي النزعة الإسمية المنهجية سيفتح آفاقاً جديدة .
ب. كل من النزعة الإسمية المنهجية ومطلب المعيار الواضح في الاتفاق ينبغي أن يزول , عندئذ تتوقف الفلسفة عن كونها فرعاً برهانياً وتقترب أكثر من الشعر .
ج. فرضية أخرى تدعو إلى الأحتفاظ بالنزعة الإسمية المنهجية ولكنها تدعو في المقابل إلى التخلي عن مطلب المعيار الواضح في الأتفاق حول حقيقة الدعاوي الفلسفية .
د. من المحتمل أننا نرغب في الأنتهاء إلى الأجابة عن السؤال "هل الفلسفة في طريقها إلى النهاية" . ربما تبدت هذه الفرضية في صورة نظرة إيدولوجية لما ستكون عليه الفلسفة وهذه الرغبة في الايدولوجيا يمكن الآن إرضاؤها بواسطة الفنون , العلوم , أو الأثنين معاً .
هـ. يمكن أن تزودنا اللسانيات الإمبريقية بالفعل بصياغات غير عادية للشروط الظرورية والكافية لحقيقة العبادات , والاعتبارات غير العادية لمعاني الكلمات .
و. بإمكان الفلسفة اللغوية أن تتجاوز وظيفتها النقدية لتتجه ناحية نشاط يجعلها تكتشف الشروط الضرورية للغة نفسها على غرار ما فعل كان في حديثه عن الشروط الضرورية لإمكان التجربة .
 
 
ثالثاً : الفلسفة المنشئة
 
 
ينبغي أن نلاحظ منذ البداية عن الفلسفة المنشئة لا يمكن أن يتم إلا بمعية الفلسفة النسقية . الفلسفتان تقترنان من حيث كونهما حسب تصور رورتي أنهما وجدتا في مرحلتين متتابعتين أو حتى إن وجدت إحداهما في مرحلة ما على الآخرى فحضورها لم يكن له كبير الأثر وذلك ما يراه فيلسوف ا لبراغماتية الجديدة عندما يعتبر أن الفلاسفة الذين برزوا بشكل واضح في تاريخ الفكر الفلسفي الغربي كانو نسقين قي مقابل الفلاسفة المنشئين الذين كانوا هامشين في حضورهم . يوسّع رورتي من دائرة تمييزه ليجعل من النسقية تلك التي ترتكز على نظرية المعرفة بينما يصح أن يقال بأن المنشئة هي التي تتخذ نقطة إنظلاقها من الشكوك التي توحي بها تثيرها المزاعم النوزيولوجية أي خلافاً للفلسفة النسقية التي تركن إلى نزعة وثوقية في القدرة على المعرفة والحقيقة . يرى رورتي أن الفلاسفة النسقيين هم أصحاب نظرة بنائية , بينما الفلاسفة المنشئون يتبعون مسعى أكثر إرتكاساً يمر عبر النقد اللاذع , المحاكاة الساخرة وجوامع الكلم وهم يدركون أن أعمالهم ستتلاشى مع المرحلة التي يبدون فيها ردود أفعالهم . ومن هذه الزاوية فهم هامشيون بالقصد وكأنهم يختارون هذا الشكل .
 
1- التنشئة
 
يعتبر مفهوم التنشئة ( Bildung ) أو التكوين أو الإنشاء التثقيف الذاتي واحداً من المفاهيم المركزية الموجهة للانسانية وحسب غادمير فلكي نعطي مثل هذه المفاهيم معناها الحقيقي ينبغي أن يكون ذلك على أساس تاريخي وحتى الانجذاب صوب اللغة يجب أن يكون في إحدى زواياه تاريخياً لأن فهمنا لأنفسنا ينبني من خلال تاريخ الكلمات والمفاهيم .
 
2- المحادثة
 
لمفهوم المحادثة عند رورتي أهمية قصوى تعادل نفس الأهمية التي تكون لمفهوم التنشئة أو تفوقه لا سيما إذا أدركنا أنهما يعنيان تقريباً نفس الشيء أو أنهما في نهاية المطاف يشكلان وحدة أو صورة دلالية واحدة ضمن نسيج الفلسفة الرورتية . يقول رورتي " إن النقطة الوحيدة التي ألح عليها هي أن الرهان الأخلاقي للفلاسفة ينبغي أن يكون في متابعة الغربية , وليس في محاولة تهيئة مكان بأي ثمن للمشكلات التقليدية للفلسفة الحديثة ضمن هذه المحادثة " .
المحادثة مشروطة بشرطين إثنين :-
أ. البنية اللغوية .
ب. فكرة الغيرية .
وهذا ما يشير إليه ليوطار " أن ما نعيشه في هذه الآونة سواء تحت صورة تأسيسية لدى آبل ( Apel ) أو في صورة أكثر تواصلية عند هابرماس , أو في صورة لا تأسيسية ومحض تخاطبية ( براغماتية ) لدى رورتي , تعني في النهاية قبول من دون فحص لفكرة الغيرية بوصفها مقوماً للرهان الأهم لفكر اليوم" .
 
 
 
الفصل الثاني
تقويض الابستمولوجيا
 
 
أولاً : تحولات البحث الفلسفي
 
ليس المبحث الفلسفي - أياً كان هذا المبحث - إطاراً ثابتاً , ستاتيكياً بل هو مندرج ضمن نشاط متحرك , ديناميكي يخضع لقدرات الأنسان والفرد وملكاته , ويخضع كذلك لظروف الأنسان الأجتماعي وتطوره .
 
1- براديغم المعرفة
 
في كل ثقافة من الثقافات يعمد أصحابها إلى إصطفاء ميدان بعينه أو جملة من ممارساتهم ومن ثم ينظرون إليها على أنها نموذج للنشاط الانساني ويسعون إلى تعميمه على باقي قطاعات الثقافة , وحسب رورتي دائماً فهذا ما حصل بالضبط في التراث الفلسفي الغربي , أين أخذت المعرفة على أنها ما يمثل هذا النموذج الذي أنجبته الفلسفة الحديثة عندما رأت أن برادغيم المعرفة يتمثل فيما نمتلكه من اعتقادات حقيقة ومبررة أو من اعتقادات تحمل في ذاتها حقيقتها وليست بحاجة إلى تبرير . ظهور الابستمولوجيا لم يكن ليعرف هذا الإنتشار لولا التقدم الحاصل في العلوم والذي يبدو لنا أنه أمر بديهي أن يرافق هذا التقدم مبحث فلسفي هام يكون من مهامه تسليط ضوء التحليل والنقد على المعرفة والعلم بغرض الكشف عن معوقات التقدم العلمي وعقباته . وما تاريخ العلم الحديث إلا محاولة لاستبعاد تدريجي للصعوبات والعقبات التي أعاقت تطور العلم . غير أن رورتي لا يبدي رضاه عن هذه المهام التي قامت بها الفلسفة الحديثة ( الابستمولوجيا ) وهي تتناقض تماماً مع الأطروحة التي يدافع عنها في قراءته لتاريخ الفلسفة الغربية . أن ما يمكن فهمه من أطروحة رورتي الناقدة للإبستمولوجيا الحديثة عند قوله بأنها أخطأت الطريق فذلك يحيلنا مباشرة إلى الوهم الذي رسخته الفلسفة الحديثة بتأكيدها على ماهية الأشياء والنفاذ إلى الطبائع التي إعتقدت بأنها وجدت مفتاح حلها عن طريق المعرفة . إعتقد الفيلسوف التقليدي الذي ينتقده رورتي أنه ينتمي إلى مجال - أي من إشتغاله بالفلسفة - يفوق في منزلته كل المجالات الأخرى المكونة للثقافة الانسانية ومن ثم إعتقد أيضاً بأن المهمة التي يجب عليه أن ينهض بها تمنحه المشروعية اللازمة لوضع المعايير والشروط الكفيلة بتحديد المصداقية وتوزيع الصلاحية على باقي فروع الثقافة لاعتباره الفلسفة تاج المعرفة وهي من خلال بحثها في طبيعة العقل وطبيعة الفكر بمعنى ما عن هذه الأسس التي تعود إليها المعرفة . إنطلاقاً من هذا ظنت الفلسفة أنها الوحيدة القادرة أو على الأقل أنها أقدر من غيرها على أداء هذا الدور بإمتياز بحكم ملامستها لماهيات الأشياء والغوص في عللها البعيدة . وبحسب رورتي فقد أصبحت الفلسفة بعد إدعائها بقدرتها على البحث في طبيعة العقل وطبيعة الأفكار مرتبطة بدور شبيه إلى حد ما بدور الدين في الأزمنة السابقة للعصر الحديث ومن هنا يتحدث رورتي عن ضرورة علمنة الثقافة فتنزع تلك القداسة والتتويج والتفوق الذي يحلو للدين أو الفلسفة أو حتى العلم أن يحتكر فيه الحقيقة ويمارس نوعاً من الأبوية على الميادين الأخرى . يلخص لنا رورتي (( لقد وضعت الفلسفة القديمة والوسيطية الأشياء مركزاً لإبستميتها أما الفلسفة كما تطورت في القرون من 17 إلى 19 فقد وضعت الأفكار في مركز الصدارة , واليوم فبواسطة الكلمات حيث يتم توضيح الساحة الفلسفية )) .
مواضيع الفلسفة كما يلخصها رورتي ترتب وفق تحقيب زمني مر به الفكر الفلسفي من القديم إلى المعاصر مروراً بالوسيط والحديث وهو ما يتجسد فيما يأتي :-
أ. الفلسفة القديمو والوسيطية : الأشياء .
ب. الفلسفة الحديثة : الأفكار .
ج. الفلسفة المعاصرة : الكلمات .
 
 
 
2- نقد الابستمولوجيا
 
ينصب عمل رورتي بدرجة كبيرة على نقد الأبستمولوجيا الغربية فلقد أعلن الفيلسوف في خضم مشروعه الفكري عن نزعته التفكيكية الساعية إلى إماطة اللثام عن مزاعم وإدعاءات الفلاسفة الذين جعلوا نصب أعينهم البحث في الإبستمولوجيا عن مفاهيم ميتافيزيقية كالمطلق , الطبيعة الأنسانية المشتركة , الماهية , الحقيقة . هذه المفاهيم في إعتقاد رورتي لم يضف الإهتمام بها أي شئ إلى المجهود الفلسفي المبذول بل أنها عرقلت مسار البحث الفلسفي وقادته إلى وجهات لم تثمر . غالباً " ما يستخدم البراغماتيون مصطلح الابستمولوجيا بطريقة مذمومة وكأنهم يشيرون إلى شيء ما عليهم تجنبه في الواقع ".
 
 
 
 
ثانيا : من الإبستمولوجيا إلى اللغة
 
يبدو أن التحول من الإبستمولوجيا صوب اللغة في الفلسفة المعاصرة فرضه دافع الهتمام بالحقيقة والذي كان الدافع نفسه من التحول من الأنطولوجيا بإتجاه الابستمولوجيا .
 
1- الرجوع إلى اللغة
 
إذا كان كل وجود متعلق بالمعرفة - على الأقل من وجهة نظر مثالية - فإن كل معرفة يفصح عنها باللغة . هكذا تصور الفلاسفة الرواد في مجال فلسفة اللغة مثل فريغه , راسل وكارناب بأن الهدف من تطهير اللغة العادية بواسطة التحليل المستند إلى المنطق إنما الغرض منه هو التخلص من نواحي الغموض والإلتباسات الماثلة فيها بحيث تغدو سليمة فتصور لنا العالم من منظور معرفي تصويراً دقيقاً .
 
2- من اللغة إلى التأويل
 
أخذ الأهتمام باللغة أبعاداً كبيرة في الفلسفة المعاصرة على حساب مباحث فلسفية كانت إلى نهاية القرن 19 تجلب إنتباه الفلاسفة وتستهويهم أكثر ومنها على الخصوص المعرفة والأخلاق . وقد بدأ الأهتمام بدراسة اللغة متشعباً ومتنوعاً شكلاً ومضموناً . فقد ظهر عند علماء اللغة واللسانيات ميل نحو إنتاج نظرية للغة كما هو الحال عند فرديناند دوسوسير من خلال دراسته اللغة من زاوية بنيوية . فالمعروف أن اللغة تعد خاصية الكائن البشري الأساسية يحيث جرى تعريفه بها على أنه كائن ناطق بما يفيد أن كينونة الانسان تكمن في اللغة وفي داخلها فلا وجود له خارج اللغة .
 
 
 
ثالثا : المنعرج اللغوي والهيرمينوطيقا
 
هذا المنعرج اللغوي يعرفّه رورتي بأنه ذلك ( المنعطف الذي إتخذه الفلاسفة في اللحظة التي هجروا فيها الخبرة بوصفها موضوعاً فلسفياً وتبنوا موضوع اللغة ةبدأوا في السير خلف خطى فريغه بدلاً من لوك ) .
 
1- الأهتمام باللغة
 
علاوة على ما حظيت به اللغة من إهتمام ليس فقط لكونها أداة وصف وإعادة وصف لما نريد أن نحكم عليه بأنه حقيقي في كل خطاب من الخطابات التي ينتجها الأنسان علمية كانت أو فلسفية أو فنية وإنما لكونها تجسد كينونة الكائن البشري ووعي الأنسان هو ما جعل هيدغر يعد اللغة هي مسكن الكائن . يقول هيدغر (يتصرف الأنسان وكأنه السيد والخالق للغة , في حين أن هذا الأخير عكس ذلك هو من يكون ويظل سيده لأنه بأتم معنى الكلمات فإن اللغة هي التي تتكلم . الأنسان يتكلم فقط إلا بقدر ما يجيب اللغة بإنصاته إلى ما تقوله له ) .فالإنسان هو خالق اللغة المعبرة عن وجوده أي هو الخالق لوسيلته في تحقيق وجوده . ومن هنا فكل خطاب إنما يحقق جزء من هذا الوجود وهذا ينطبق حتى على لغة الآلة وهي من خلق الأنسان وتتكلم لغة غير لغته الأنسانية لكنها من منظور التقنية تكمل جزءاً هاماً من الوجود الأنساني , وتساهم بشكل واسع في مده بالقوة الكافية لتقهر الطبيعة وتسخيرها لأغراضه الأنسانية . ينتقد رورتي محاولات الفلاسفة الهادفة إلة إعطاء اللغة وضعاً خالصاً وجعلها ميدان الفلسفة بإمتياز بعد أن تحولت عن المعرفة .
 
2- التأويل والإستعمال
 
لقد تجلت الدعوة إلى الهيرمينوطيقا مع رورتي كملجأ للتخلص من التوجه النوزيولوجي الذي إنتقده حيث وجد عند غادامير أساس هذا المشروع الذي تقاطعت فيه نزعات فينومونولوجية , وجودية , براغماتية وتفكيكية وإلتقت في بوتقة اللغة والتأويل . ولم يقصد غادامير من الظاهرة التأويلية منهجاً مغايراً من مناهج البحث المعروفة أو منهجاً جديداً للوصول إلى الحقيقة بقدر ما كان مطمحه منها الفهم والتفتح على تجارب وخبرات جديدة في التواصل مع العالم . إن إرتباط الفكر باللغة وإرتباط هذا المباشر بالتأويل هو ما حفز غادامير إلى جعل الهيرمينوطيقا فلسفة يقول ( إن شكل الأرتباط الوثيق بين الفكر واللغة لا يمكنه إلا أن يجبر الهيرمينوطيقا أن تصبح فلسفة . وينبغي علينا أن نفكر دوماً داخل اللغة , حتى وإن كنا لا نفكر على الدوام بنفس اللغة . ولا يمكن للتأويلية أن تفلت من الزعم بالكونية لأن اللغة لا تنفصل عن العقل ) .يطرح غادامير سؤلاً ما الهيرمينوطيقا ؟! يجيب إنطلاقاً من خبرتين للإغتراب :-
أ. الوعي الجمالي : يرى أن تحقق لنا إمكانية عدم قدرتنا بما نحن عليه من رفض أو تقليل من التصرف بكيفية نقدية أو إيجابية حيال نوعية عمل فني , لكن هذا ينبغي التأكيد عليه , بكيفية ما وهو أن الحكم الذي نطلقه سيقرر في نهاية المطاف عن بالصرامة التعبيرية وبالشرعية عما نحكم على أنه كذلك .
ب. الوعي التاريخي : هو يمثل عنده فناً كبيراً بطئ التطور سمح لنا بالتعلم بنقد أنفسنا وذلك بإستقبال شهادات الماضي .
يقول رورتي (( الزعم بأن أشكال المعرفة متمايزة أو أنها تتطابق مع أنواع مختلفة من المنطق يعتبر خطأ يرجع إلى تصور خاطئ تعكس المعرفة بحسبه بصدق ماهية موضوعه )) .
يختلف إذن رورتي في تقييمه عن باقي الرؤى الفلسفية التي ناقشت تأويلية غادامير ويحيلنا إلى مقاربة براغماتية يكون فيها التأويل أقرب إلى الإستعمال .
 
3- الهيرمينوطيقا بين رورتي وغادامير
 
يحدد رورتي ما يرمي إليه من التأويل ويوافق غادامير في طرحه الناقد للابستمولوجيا والداعي إلى الفهم بنظرة كلية , فيقول (( في التصور الذي أقترحه , لا تشير الهيرمينوطيقا لا إلى فرع معرفي ولا إلى منهج يفترض أن يسمح لنا بالنجاح حيث فشلت نظرية المعرفة , كما أنها ليست إسما لبرنامج بحث )) .
إنطلاقاً من منظور تاريخي يتكرر بإستمرار في التصور البراغماتي لــ رورتي , لا توجد فكرة تتطابق مع شئ خارجي أو معنى حقيقي مبثوث في نص معين بحيث يسمح منهج ما - حتى وإن كان التأويل وهو لا يعده منهجاً - بالكشف عن حقيقته في مقابل ماهو صدفي أو علائقي يبدي رورتي معارضته لفهم كهذا في تصور دور للتأويل مفكك للرموز وقادر على النفاذ إلى الأعماق وحل الشفرات .
إذا كا المقصود بالتأويل هو الفهم فإن السؤال الذي يطرح نفسه ما علاقة الأثنين ببعضهما ؟ هل يكون التأويل بغرض الفهم كعملية تخضع لها النصوص وآلية تسلط على الغامض من المعاني ؟ حتى نتجنب الإغتراب واللامعنى وسوء المعنى . ألا يكون الفهم بدوره مؤدياً إلى التأويل بمعنى التفسير على الأقل ؟ ثم أن حصول الأثنين ألا يؤدي بنا إلى الألتفات إلى الأستخدام من المنظورين المنهجي والمعرفي ؟ ليكون التأويل كعامل إندماج للإنسان في العالم جزء من وعيه .
يقول سيلارس (( التحكم في اللغة هي الشرط الضروري لكل خبرة واعية )) .



 
الفصل الثالث
مطارحات الحقيقة


أولا : الحقيقة براغماتياً

الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون الذي أثنى على التصور البراغماتي للحقيقة ووصفه بأنه إختراع وذلك في المقدمة التي وضعها لكتاب وليم جيمس "البراغماتية " حيث قال (( يمكننا فيما يبدو لي , تلخيص الأهم في التصور البراغماتي للحقيقة في صيغة مثل هذه :بينما تعتبر حقيقة جديدة بالنسبة إلى المذاهب الأخرى اكتشافاً , فإنها عند البراغماتية إختراعاً )) . لكن هذا الترحيب والثناء الذي صادفه التصور البراغماتي من جهة قوبل من جهة أخرى بإنتقادات واعتراضات على ما قدم من مضمون فكري بدا للبعض مبتذلاً وغير جدير بالمناقشة الفلسفية بل إنه يصب في خانة التصورات الساذجة . وقد مثل هذه الوجهة من النظر الفيلسوف الإنكليزي برتراند راسل الذي يتعجب من تهليل البراغماتيين لموقف برغسون والنظر إليه على أنه تدعيم وسند لطروحاتهم وحيث يقول راسل " ومن عجيب الأمر أن الراغماتيين قد هللّوا لـــــ برغسون وإعتبروه حليفاً لهم , رغم أن فلسفته في ظاهرها هي النقيض الكامل لفلسفتهم , فبينما يقول البراغماتيين إن الفائدة هي محك الصدق العقلي , فإن برغسون يقول على العكس من ذلك إن عقلنا وقد شكلته إحتياجاتنا العملية يتجاهل كل جوانب العالم التي لا تعود عليه ملاحظتها بالفائدة" .

1- صنع الحقيقة :

في إتصال مجرى البحث كانت "البراغماتية نظرية تكوينية لما يقصد بالحقيقة" فهي تكوينية لأن الحقيقة تقوم تدريجياً جراء البحث وليس بشكل مسبق عنه . وهي خاضعه كذلك لمبدأ التقدم والتطور في المنطق , وهذا يتجلى من ( إهتمامات ديوي التي هي بيولوجية أكثر منها إهتمامات رياضية وهو يتصور الفكر كعملية تطورية ) . فإذا كانت الأفكار المعاني , التصورات , المفاهيم , النظريات , والأنظمة أداتية لإعادة تنظيم فعال ونشيط للمحيط المعطى وللانتقال من الفوضى والاضطراب فإن امتحان صلاحيتها وقيمتها مرهون بإنجاز هذا العمل . فإذا نجحت في هذا الدور فهي موثوق بها سليمة , صالحة وحسنة وحقيقية , وإذا فشلت في توضيح الخلط وفي القضاء على الخلل وازداد معها الارتباك والارتياب أثناء نشاطها وفعلها فإنها خاطئة . وهو ما يطلق عليه البراغماتيون ( جيمس, بوتنام) اسم تبرير ضمن حالة مثالية  ( لا بمعنى المثالية في أنها ذات طبيعة فكرية أو روحية ولكن من حيث هي أفضل النتائج المحصلة ) أو حسب تعبير بيرس نهاية البحث . إذن البراغماتية تتميز بأصالة ووجاهه نظرتها إلى موضوع الحقيقة بشكل لافت للانتباه وهي من ثم تنفرد عن الرؤى الفلسفية الكلاسيكية الأخرى والتي لا تنظر إلى الحقيقة إلا بوصفها تطابقاً أو تماسكاً . فالبراغماتية تستغل عن باقي المذاهب الفلسفية بوجهة نظر نوعية وإنسانية بالمعنى الذي يكون فيه الحقيقي لا قيمة ولا إعتبار له إلا اذا كان مفيداً ونافعاً على المستويين الخاص والعام على السواء . وبعبارة أخرى فإن البراغماتيين " يعتبرون الحقيقة وفقاً لصياغة جيمس كونها شيئاً ملائماً لما نعتقده " .

2- رورتي والحقيقة :

نجد أن موضوع الحقيقة مرتبطاً أشد الأرتباط بالبراغماتية عند فلاسفتها وعند الدارسن للبراغماتية الذين يرون أن أهم ما يميز البراغماتية من بين فلسفات عديدة هو تصورها الخاص للحقيقة . غير أن مثل هذا الإقرار قد لا نجد له مبرراً عند رورتي الذي يقدم لنا وجهة نظر أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها غامضة . (( فهو [أي الفيلسوف البراغماتي] مناصر ومؤيد للتضامن وطريقته في إضفاء الشرعية المطلوبة على قيمة البحث المنجز بشكل تعاوني ومشترك يرتكز على الأخلاق وليس على الإبستمولوجيا أو الميتافيزيقا )) . فالأخلاق التي يبني عليه نظرته للحقيقة ولغيرها من مسائل الفلسفة تتأسس على التاريخ والمصادفة . ولا تعود إلى إفتراض تصورات ميتافيزيقية خاصة بالحقيقة ذاتها أو بالطبيعة البشرية أو إسناد ذلك إلى قوة أخرى غير إنسانية. بالنظر إلى طرح رورتي الحقيقة تطابق وتوافق حول إتفاق مشترك . في تقدير رورتي ليس هناك من شيء يمكنه أن يجعل من إعتقاد ما حقيقي موضوعياً سوى تطابقه مع إتفاق مشترك . يقول رورتي ( لا يعتقد البراغماتيون بأن هدف البحث هو الحقيقة بل إن الهدف من البحث يكمن في المنفعة وبقدر تعدد الأهداف المبتغاة تتعد الأدوات المختلفة النافعة ) . وليس هدف البحث دوماً الحقيقة ما بقدر ماهو مطلب حاجات الأنسان وتلبيتها . أي المنافع التي يصر الخطاب البراغماتي على إعطائها مقاماً أولياً .


ثانياً : الحقيقة بدون نظرية

يقر رورتي بأن (( الهدف من البحث ليس هو الحقيقة وإنما هناك جملة من الأهداف الخاصة التي يسعى العلم والإثبات إلى تحقيقها ولا يوجد هدف يفوق الأهداف الأخرى بحيث يكون هو الحقيقة )) . كذلك فإن رفض إختزال أهداف البحث في الحقيقة يعني بالنسبة إلى رورتي وإلى البراغماتيين أن الزعم بالحقيقة كهدف واحد في البحث إنما هو زعم فارغ أو خاطئ لكنه يبقي على التساؤل حول الحقيقة مفتوحاً .

1- الحقيقة ليست غاية البحث :

يعتبر رورتي أن البراغماتيين لا يملكون نظرية في الحقيقة بقدر ما أنهم أصحاب  وجهة نظر فلسفية بخصوص الحقيقة . نفهم من موقف رورتي أنه يريد التملص على طريقة البراغماتيين الآخرين من الخوض في مسائل هي أقرب إلى الميتافيزيقا هذا من ناحية ومن ناحية أخرى الإبتعاد عن المضي قدماً في الحديث عن البعد النظري التي تشمئز وتنفر منه أقلام ما بعد الحداثيين .

2- الحقيقة خطاب مغلق :

رورتي وتبعاً لموقفه المتذبذب أحياناً يؤكد في كتابه الثاني "نتائج البراغماتية " على نظرية براغماتية في الحقيقة ويشير إلى هذا في قوله ( أن المحاولات التي يتركب منها هذا الكتاب تهدف إلى إستخلاص نتائج نظرية براغماتية للحقيقة . نظرية كهذه تنص على أن الحقيقة ليست من نوع الأشياء التي ينتظر منها أن تكون نظرية فلسفية هامة ) . يدعونا رورتي في فلسفته ذات البعد الجمالي إلى توسيع القدرة الخيالية من خلال الإلحاح على أن (الخيال هو في الوقت ذاته مصدراً لجداول علمية جديدة للكون الفيزيائي ولتصورات جديدة للمجتمعات الممكنة) . يريد رورتي وفق طرح براغماتي أن يكون مثمراً في الاتجاهين في آن واحد علمي معرفي وإجتماعي أخلاقي مصدره الاهتمام الذي يوليه لمشكل الحقيقة .


ثالثا: الحقيقة والاثبات

كيف نعرف حقيقة أنه كذلك حقيقي ؟ وبلغة جيمس المتسمة بعبارات الخبرة والقيمة الفورية يكون رد البراغماتي (( الأفكار الحقيقة هي التي يمكننا استيعابها , إثبات صحتها , تأييدها والتحقق منها . والأفكار الخاطئة هي التي لا نستطيع فعل ذلك معها . هذا هو الفرق العملي الذي تحدثه لدينا الأفكار الحقيقة وعلى ذلك , فهذا هو معنى الحقيقة وكل ما يمكن أن تعرّف به الحقيقة )) .

1- الارتياب في التمييز بين الحقيقة والإثبات

لا يخلو موقف البراغماتيين من الارتباك والصعوبة خصوصا عندما نعرف أن المعيار المعتمد ( أي النافع والمفيد ) سيحيلنا من جديد إلى مسألة التبرير فهل الحقيقي هو المبرر والعكس صحيح ؟ وهل هما يعنيان نفس الشئ فعلا واقعا وحقيقة؟ أم هناك فرق بينهما ؟ في الوقت الذي تخلط بينهما البراغماتية مثلما تتهم بذلك . يرد البراغماتيون على هذا الانتقاد بكيفيتين :-
أ. بعض من البراغماتيين صرحوا بأنه من الممكن الاحتفاظ بدلالة مطلقة للفظ "حقيقي" وذلك بإعطائه معنى تبرير في ظل وضعية مثالية وهي من قبيل الوضعية التي سماها بيرس "نهاية البحث".
ب. البعض الآخر من البراغماتيين اقترحوا أن ليس هناك الكثير مما يمكن قوله بخصوص الحقيقة وبأنه يتوجب على الفلاسفة الاكتفاء والتقيّد بالتبرير من مثل ما أسماه ديوي "التأكيد المضمون" .


2- المطلق والنسبي في الحقيقة :

كل إقتراح نختاره للاعتقاد سيتوافق مع واحد من المقولات الأربع وهذه المقولات هي :-

1. مثبتة وحقيقة >> عن طريق البداهة العلمية المتاحة .

2. ليست مثبتة أو حقيقة : يقول رورتي ((مجردة وليست معينة كتلك التي مارسها ديكارت بحيث لا أستطيع فعل أي شئ لحلها فيجب التخلي عنها .. وينبغي على الفلسفة تجاهلها)) .

3. مثبتة وليست حقيقة : التأكيد في هذه القضايا يكون مقبولاً من خلال الإحالة إلى معايير التبرير المعمول بها في ذلك الوقت .

4. ليست مثبتة ولكنها حقيقية : إن ما نعتقده بأنه حقيقي يمكن أن لا يكون له مبرراً في ظروف مغايرة .


رابعا :  شرط الحقيقة :

شرط الحقيقة إذا شئنا بالنسبة إلى رورتي يبدو أنه كامن في استعمالنا للغة من خلال وعينا بعارضية لغتنا . ففكرة صنع الحقيقة تتجسد من خلال عباراتنا وجملنا التي وحدها توصف بأنها حقيقية أو خاطئة ونحن الذين ننطق , نحن فقط من يتكلم وليس العالم .
يقول رورتي (( بأن الحقيقة ليست هناك , يعني بكل بساطو القول بأنه من دون الجُمَل فلا وجود للحقيقة , وبأن الجُمَل هي عناصر للغات الإنسان , وبأن ما نسميه اللغات هو إبداعات إنسانية )) .
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 
                                     
 

 


السبت، 22 ديسمبر 2012

تلخيص كتاب الحداثة وما بعد الحداثة في فلسفة ريتشارد رورتي - الجزء الأول

كتاب [الحداثة وما بعد الحداثة في فلسفة ريتشارد رورتي ]
تأليف محمد جديدي
 
 
 
الباب الأول
البراغماتية الجديدة وتكوّن المشروع
الفلسفي لــ رورتي
 
 
الفصل الأول : الفلسفة البراغماتية الجديدة
 
أولاً : الفلسفة في أمريكا
 
 
 
يمكننا أن نستشف بعضا من تفاؤل رورتي بخصوص الفلسفة في أمريكا في موقف جورج سانتيانا الذي قدم صورة للفلسفة في أمريكا من خلال تقسيمه لها إلى مرحلتين بخصوص الفلسفة الأمريكية : -
 
أ. ما بين الحربين العالميتين وقد تميزت بظهور القيادات الملهمه والأخلاقية وهي الفترة البطولية التي إنطلقت فيها النظرية البراغماتية على يد الفيلسوف " ديوي " .
ب. تتناول المدة التالية للحرب العالمية الثانية والتي تميزت بالإحتراف المهني بينما تخلى الفلاسفة عن هذا الدور من تلقاء أنفسهم وبإختيارهم .
 
** في الفترة الأولى إتسمت الفلسفة من خلال إرتباطها بالجماهير بمشاكل الناس الإجتماعية والأخلاقية ولعب فيها الفلاسفة دوراً أساسياً في حياة البلاد بينما إنكمش هذا الدور في المرحلة الثانية وغدت الفلسفة إحترافية .
 
 
هل هناك فلسفة أمريكية ؟!
 
1. الرأي الأول يذهب إلى أن الفلسفة الأمريكية لها جذور مما يوحي بأصالتها من القرن 17 إلى القرن 19 ويستشهد أصحاب هذا الرأي بــ  جوناثان إدواردز بإعتباره أول فيلسوف أمريكي كبير .
2. الرأي الثاني ينكر قليلاً أو كثيراً أصالة الفلسفة الأمريكية إلا إذا إستثنينا الفلسفة البراغماتية - بل يُرى فيها فلسفة مقتبسة من أساسها ومتأخرة عن عصرها منهجياً .
 
** يقول رورتي عن البراغماتية " هي النظرية التي تحاول عملاً أن تعزز من حرية الإنسان في عالم مأساوي غير مأمون عن طريق الفنون العقلية والأجتماعية وقد تكون المحاولة قضية خاسرة ولكن لا أعرف أفضل منها ... "
 
 
 ثانيا : فلسفة العالم الجديد
 
1- بين المحلي والوافد :
 
بقد كان للهجرة دوراً حاسماً في نشأة الولايات المتحدة الأمريكية دولة قوية حرة ومتقدمة , ذلك أن الذين هاجروا إليها كانوا على وعي مما ينتظرهم إن لم يدافعوا عن حريتهم بوجه خاص . إذاً هذه الهدرات المتواصلة منذ القرن 15 إلى اليوم هي ما شكل فسيفساء المجتمع الأمريكي المختلفة أعراقه وأديانه ولغاته وثقافاته لكن كل هذا لم يمنع من التمتع بوحدة سياسية تحت راية نظام جمهوري ديمقراطي فيدرالي سياسياً , ومن إنتهاج رأسمالياً في الإقتصاد من مبادئه حرية المبادرة وتشجيع الملكية الخاصة وتنظيم السوق ليبراليا .
 
** الأسباب التي حفزت المهاجرين للقدوم إلى أمريكا وترك أراضيهم :-
1. الفرار من الإضطهاد الديني التي مارسته سلطة الكنيسة يتضيقها على حرية المعتقد الديني , الفكري والعملي .
2. الفرار من الإضطهاد السياسي الذي فرضته الملكيات والارستقراطيات على السكان بفعل النظام الإقطاعي المنتهج إقتصادياً وإجتماعياً .
3. الفرار من الفقر والظلم الأجتماعي من خلال الطموح الذي دفعهم إلى البحث عن الثروة والحرية والسعادة .
 
** توجت ثورة الأمريكين ضد المستعمر البريطاني بالتأكيد على ثلاث أمور هامة على مستقبل الدولة الناشئة وهي :-
1. على المستوى السياسي تم تحرير وثيقة الإستقلال ووضع الدستور الذي ينظم الحياة السياسية .
2. على المستوى الديني صدر قانون فرجينيا للحرية الدينية ونص على عدم سن قانون بشأن إعتناق ديانة ما أو منع إعتناقها .
3. على المستوى الإجتماعي أنشأت جامعة فرجينيا 1796 مما مهد لنشر التعليم بهدف تثقيف وتنوير الشعب وهو الرهان الذي أثمر لاحقاً .
 
إن هذه الظروف والعوامل تفاعلت مع جهود وطموحات الرواد الآوائل فأثمرت في نهاية المطاف دولة قوية على جميع الأصعده بدءاً من التصنيع العسكري للأسلحة المتطورة والمتفوقة تكنولوجيا وغزو الفضاء وحرب النجوم إلى صناعة برمجيات الكمبيوتر والكتب والأفلام ونشر ثقافة "الأمركة عبر العالم" .
 
 
2- لا ثقافة دون فلسفة
 
 
إن الفلسفة الأمريكية كغيرها من الفلسفات مرت بمراحل بدأت في نشأتها بالتلقي والإستقبال وإنتقلت إلى المضمون الذي يعطيها إستقلالاً كلياً أو جزئياً ثم إنتقلت إلى مرحلة التطور التي تجلت فيها بصمات ومعالم شخصيتها . علاوة على ذلك فأمريكا الامبراطورية العظمى شأنها شأن كل الامبراطوريات عبر التاريخ ترى أن إكتمال قوتها قوتها وعظمتها لن يكتمل إلا بما تحققه من إنجازات في الفلسفة .
 
** الحقيقة , أن حظ الأمريكيين من الجانب النظري ضعيف وهم إلى جانب العمل أميل على حد قول هربرت شنيدر في كتابه تاريخ الفلسفة الأمريكية ولعل هذا ما يفسر ظهور البراغماتية في البيئة الأمريكية دون غيرها من البيئات .
 
 
 
ثالثاً : الفلسفة البراغماتية
 
1. الفلسفة الكلاسيكية
 
غالبا ما توصف البراغماتية بأنها الفلسفة الأمريكية بإمتياز من حيث أنها نشأت وتطورت في أمريكا فالظروف والعوامل التي إجتمعت وتضافرت لتجعل بروز الراغماتية أمريكية المولد . ويقول رورتي  معلقاً على موقف ديوي " أعتقد بأن أقصى ما يمكن أن نفعله بربط البراغماتية بأمريكا هب القول بأن هذا البلد وفلاسفته الأكير تميزاً يقترحون علينا بأننا قادرين في السياسة أن نضع الأمل بدل المعرفة وهو الأمر الذي سعى الفلاسفة إلى بلوغه " .
 
يدعونا رورتي إلى ضرورة التمييز بين البراغماتيين بين تيار كلاسيكي مثل بيرس , جيمس وديوي , ومن بين تيار جديد أبرز شخصياته كواين , غودمان إضافة إلى رورتي نفسه , أن التميز الذي يدعونا إليه رورتي معياره هو المنعطف اللغوي الذي إتجه إليه الفلاسفة في الوقت الذي هجروا فيه موضوع الخبرة وتبنوا اللغة موضوعاً أساسياً .
 
2- البراغماتية الجديدة
 
هي التسمية التي تطلق على تيار فلسفي برز في الظهور مع بداية الستينيات في الولايات المتحدة الأمريكية . لكن موقف الفلاسفة المعاصرون أو علة الأقل بعضاً منهم يعتبر أن البراغماتية حركة فكرية متقادمة ويتحاشون إعتبارها فلسفة أو أنها ليست من الفلسفة الحقيقة وهي في ظنهم بحسب رورتي حركة عرفت نهايتها في بداية القرن العشرين في ظل أجواء محلية ويتوجب من الآن وصاعداً النظر إليها على أنها متهافته ومنتهية , لكن الواقع أنها أعيدت إلى الحياة من جديد من نفس الجذور ولكن بكساء مغاير في ظرف مائة سنة على أول ظهور لها مع تشارلز بيرس , أن البراغماتية هي الفلسفة التي وجد فيها رورتي الصورة الحقيقة للثقافة الأمريكية . إن البراغماتية في صيغتها الجديدة لم تكن بنفس مواصفات البراغماتية الكلاسيكية وهي تختلف عنها أو على الأصح تتميز عنها بإدخال بعض التعديلات المنهجية والفكرية التي برزت ما بين فترة البراغماتية في نهاية القرن الـ 19 مع بيرس وهي ما يمكن أن نسميه البراغماتية الأولى أو الكلاسيكية أما فترة إحياء البراغماتية بدأت من  نهاية سبعينيات القرن العشرين وهو ما يمكن أن نصطلح عليه بالبراغماتية الثانية أو الجديدة .
 
رابعاً : المشروع الفلسفي لــ رورتي :
 
بدأ يلوح في أفق الفلسفة المعاصرة مشروع وقعه رورتي حينما أتم الفيلسوف أطروحته عن الامكانية أو القوة عام 1956 , وحيث تبين أن مسعاه الرئيسي  هو التأسيس لمحادثه بين الفلاسفة المعاصرين والتراث الكبير للفلسفة الغربية . ولقد تعزز هذا المشروع الرورتي أكثر بإصدار الفيلسوف لكتابه الأساسي عام 1979 وعنوانه " الفلسفة ومرآة الطبيعة" . فمع رورتي بالخصوص مع مؤلفه "الفلسفة ومرآة الطبيعة" تتحول الفلسفة من ميدان نظرية المعرفة لتصبح فعلاً منشئاً أو مشيداً غرضه إعادة بناء الفلسفة . فهو يشير إلى أن مشروعه ينطوي على مهارة حرفي أو مرقّع يقوم بجمع قطع أو أجزاء من دريدا ووضعها إلى جانب ديوي , وإقتطاع عناصر من ديفيدسون وتقريبها من فتغنشتاين وأمور من هذا القبيل أكثر من أن يكون عملاً أصيلاً . إلا أننا نرى في موقف رورتي تقارباً كبيراً في مشروعه مع موقف ديوي الذي سعى فيه إلى التجديد في الفلسفة متخذا من القاموس البراغماتي الذي يعج بمفاهيم : الخبرة والبحث , التفاعل الكائن مع المحيط , الديمقراطية والتربية , الفعل والنتيجة , جدلية الغاية والوسيلة , بوصفها أدوات منهجية ومعرفية لحقيق مشروعه .
 
1- مسار البراغماتي
 
استتباعاً لنفس الخط عند ديوي يتجه رورتي صوب ميدان الإبستيمولوجيا ( الميدان ) الذي كان ديوي قد خصه بجملة من الانتقادات لا سيما في نقد المعاينة أو المتفرج في المعرفة حتى يؤكد على وجهة نظره الداعية إلى الممارسة والفعل والتأكيد على البعد البراغماتي في مضمار المعرفة وإبراز مكمن التوحيد بين النظر والعمل ونبذ كل فصل منهما .
** إستراتيجية رورتي الفلسفية تستند إلى ثلاث ركائز :-
أ. أساليب وآليات التدليل حتى وإن أنكر على نفسه اللجوء إلى مثل هذا النوع من الإستدلال العقلي والتفكير النظري المجرد لانه يمقته ويرى فيه تكريساً للفكر الميتافيزيقي اللاهوتي الذي دعا إلى نبذه .
ب. الواقع التاريخي الذي يستلهم من وقائعه وأحداثه ما يكشف له عن معطيات يوظفها توظيفاً فلسفياً في دعم آرائه .
ج. النص الفلسفي وغيرها من نصوص أشكال التعبير الإنساني الأخرى , يستثمرها رورتي ويوظفها لصالح مشروعه الفلسفي سواء أكان هذا النص براغماتياً أو تفكيكياً أو نص فلسفي آخر في منهجه دون تمييز .
 
** إن الطابع العام لفلسفة رورتي والذي غالبا ما تلصق به البراغماتيه الجديدة يتسم برفضه لعناصر ثلاثة مما درج عليه التقليد والممارسة الفلسفيين :-
1. نظرية الحقيقة كتطابق أو متطابقة .
2. مفهوم التمثيل المفضل .
3. فكرة ذات متعالية .
 
- إن هذه الفلسفة تتجه نحو مشروع للسياسة المدنية أو ديمقراطية أجتماعية بناء على تحليل تاريخي للمشكلات الفلسفية المثاره .
 
2- الفيلسوف الجديد
 
لا تزال ردود الفعل والانتقادات الموجهه لرورتي تتوالى وتظهر من فترة إلى أخرى فأراء الفيلسوف تثير جدلا واسعا تتباين فيه المواقف . يصف رورتي وضعه هذا ويقول " إذا كان من الضروري إستخلاص فكرة ما , بأن الوضع الفكري الأفضل هو ذاك ما يقع في مسافة متساوية بين اليمين واليسار , فأنا هو بالتأكيد الرجل المناسب لهذه الوضعية " .
 
 
 
الفصل الثاني : ريتشارد رورتي والفلسفة
 
أولا : ريتشارد رورتي فيلسوفاً
 
لا يختلف الفلاسفة والدارسون حول أهمية وقيمة شخصية رورتي الفلسفية حتى وإن إختلفوا معه في تصوراته وأفكاره .
أ. مسار فلسفي : عرف رورتي بإتجاهه البراغماتي بعد أن إهتم في باديء  الأمر بالفلسفة التحليلة التي عدل عنها ليحمل لواء البراغماتية الجديدة .
ب. الأثر البراغماتي : ساهم إذاك رورتي بقدر كبير في إحياء البراغماتية من خلال أعماله العديدة التي غالبا ما تشير إلى الجذر والعنصر والمبدأ البراغماتي في كتاباته .
 
** يعرب روتي في أكثر من موضع أنه تابع لخط ديوي الفلسفي أي البراغماتي الوسيلي الذي عرف به الفيلسوف , حتى وإن أنكر عليه  البعض عدم التقيد بتوجهات ديوي وأفكاره .
 
 
ثانيا : البدايات الفلسفية
 
تبدأ حياة رورتي في يوم 4 أكتوبر 1931 بمدينة نيويورك حيث تربى وسط أسرة تؤمن بمباديء العدل والمساواة بين الجميع وكانت تشع من أرجاء بيت آل رورتي الأفكار الأشتراكية التي كان والده يناضل في سبيلها فلقد كان والده عضو في الحزب الشيوعي , ومثلما كانت طموحات رورتي تتمثل في قراءة الكتب التي كانت تملأ خزانة الأسرة فقد كان طموحه أن يصبح فيلسوفا حتى قبل أن يتخصص في الفلسفة .
المرحلة الأولى : الطموح ,, في سن الخامسة عشر تحول إلى قراءة أفلاطون وأرسطو وهجر الدين إلى الفلسفة , ولقد رأى رورتي أن فكرة سقراط " توحيد الفضيلة بالمعرفة" يمكن أن تتجسد في حلمه بأن يصبح فيلسوفاً , هذا الحلم بدأ يراوده وهو في صباه واستمر ينمو في التدريج وبالموازاة مع قراءاته الفلسفية المتنوعة والمتعددة لعدد هام من كلاسيكيات النصوص الفلسفية وأيضا بفعل إحتكاكه ببعض المثقفين والمفكرين وبعض الأساتذة في المدارس التي ارتادها . كان رورتي يجتهد فيما بين 15 والـ 20 من عمره في تحقيق حلمه وقد صادف أن استشار سيدني هوك الذي كان صديقاً للعائلة فقال له الأخير حسنا تريد أن تصبح فيلسوفاً إذن أكتب وأنشر مبكراً وإعمل ذلك أغلب الأحيان . يبدو أن نصيحة هوك وجدت أذن صاغية من لدن رورتي ومن ثم عرفت طريقها إلى التطبيق , بدأت في جامعة شيكاغو وحصل عام 1949 على بكالوريوس في الفنون , وفي عام 1952 تقدم بأطروحته لنيل الماستر حول فلسفة وايتهيد بعنوان " إستخدام وايتهيد لمفهوم الأمكانية أو القوة " , وفي عام 1956 تقدم مجددا بأطروحته لنيل شهادة الدكتوراه في الفلسفة بعنوان " مفهوم الأمكانية أو القوة " . يتجلى من خلال عنوان الأطروحتين أن رورتي بحث أشكالية الأمكانية أو القوة متدرجاً فيها من الخاص إلى العام .
 
المرحلة  الثانية : التطور , في كتاب الفلسفة ومرآة الطبيعة يقول رورتي " منذ بدء دراستي استرعى إنتباهي الكيفية التي بها تظهر وتختفي المشكلات الفلسفية أو كيف تتغير بحسب المسلمات الجديدة أو المفردات الجديدة بفضل ريتشارد ماكيون وروبيرت برومبو , تعلمت أن أتصور تاريخ الفلسفة ليس كسلسة من الحلول نظيره لنفس المشكلات , ولكن كجملة من المشكلات جد متميزة . وبفضل رودولف كارناب وكارل همبل تعلمت كيف يمكن معالجة القضايا الزائفة , وإماطة اللثام عنها وكشفها كما هي بنقل وتحويلها إلى لغة صورية . بفضل تشارلز هارتشورن وبول وايس , تعلمت كيفية القيام بهذا الكشف بواسطة الترجمة إلى عبارات وايتهايديه أو هيغيليه . لقد كنت محظوظاً جداً أن يكون هؤلاء الرجال أساتذة لي .. " .
 
المرحلة الثالثة : الإكتمال , لقد كانت ثمار هذه النماذج والتنوع المنهجي بارزه في مؤلف رورتي "الفلسفة ومرآة الطبيعة الذي ظهر سنة 1979 . شكلت في مجملها الفلسفة الرورتية بسؤالاتها اللامتناهيه وبتخطيها لحدود التقسيمات الثقافية وبإندماجها الواسع في واقع الحياة العصرية وملاحقاتها لمعضلات الحداثة الغربية في جوانبها العقلانية , الأنسانية , الكونية , التقدمية , والتاريخية وكذا مساءلتها لخوم ما بعد الحداثة في الأدب والتفكيك وحركات الأختلاف في المجتمع , الأدب والفن , السياسة والفكر .
** تنقسم مسيرة فكر رورتي وأعماله إلى :
1. الفترة الأولى : تكمن في نقد الفلسفة الغربية بشكل عام والأنجلو-ساكسونية بشكل خاص .
2. الفترة الثانية : تتضح في البناء أو التشييد التدريجي للبراغماتية ما بعد الحداثة ( البراغماتية الجديدة ) .
 
ثالثا : صلات فلسفية
 
1- رورتي والتروتسكية
 
رورتي عاش طفولته ترتسكياً بضغط وإن كان غير مباشر أرغم فيه رورتي الصغير على الأطلاع على التروتسكية وهو ما حمله جوابه عن سؤال إن كان قد إختار التروتسكية بمحض إرادته أم هو مفروض عليه من قبل والديه فكان جوابه أن التروتسكية كانت بمثابة عقيدة العائلة ومثلما ينشأ الأنسان نظامياً , صحياُ , أو يهودياً فكانت نشأته هو تروتسكية , وكانت الحياة تمضي وقناعة رورتي تكبر بأن الرأسمالية مصدر الشرور فقد كان يكبر وقناعته تزداد بأن جميع الناس الأخيار إن لم يوجد تروتسكيين ينبغي أن يكونوا على الأقل إشتراكيين .
 
2- رورتي والفلسفة التحليلية
 
بدايات كتاباته كانت ضمن إطار ومناخ الفلسفة التحليلية التي تأثر بها في بداية منحاه الفلسفي يقول رورتي " إن تاريخ الفلسفة يؤكد على التمرد ضد ممارسات الفلاسفة السابقين وذلك في محاولاتهم لتحويل الفلسفى إلى علم - أي إلى فرع أو أفق معرفي يعترف فيه عالمياً بقرار الإجراءات الصالحة لاختبار الدعاوي الفلسفية , فمحاولات الفلاسفة التحليليين إتسمت بكونها تجارب فلسفية جديدة إتخذت لنفسها مجالاً محدداً هو اللغة وأرادت تطبيق منهج التحليل اللغوي أو المنطقي للغة .
 
3- علاقة رورتي بــ ديوي
 
لم تكن علاقة رورتي ب ديوي لتعرف ذلك الأرتباط الذي حدث بين الفيلسوفين إلا في مرحلة لاحقة . ومع التحول الفكري الذي وجهه رورتي صوب ديوي وإكتشافه من جديد وإعادة قراءته لتحيينه ومن ثم تحيين الفلسفة البراغماتية . يقول رورتي عن كيفية بناءه لديوي طبقاً لقراءته " أن أهمية بناء ديوي كالذي أسعى إلى تشكيله تكمن في فصل ما أعتقد أنه حي من الذي يكون ميتاً من فكره وكذا في إيضاح الاختلافات بين حالتي الساحة الفلسفية ما بين 1955 والآن " . ابتداءاً من سنة 1972 ينتقل ديوي إلى مركز الصدارة في كتابات رورتي وفي مؤلفه الأساسي " الفلسفة ومرآة الطبيعة " قاد هذا الأخير حملة قوية لإحياء وبعث صورة وأثر ديوي في الفلسفة المعاصرة .
 
4- رورتي وهيدغر
 
تعود الأهمية الكبيرة التي يعطيها رورتي إلى مارتن هيدغر إلى دوره الرئيسي في " تخليصنا من التأويل التقني للفكر " الذي تمتد جذوره في تاريخ الفلسفة الغربية إلى الأغريق . في الواقع أن ما يحبذه رورتي في فلسفة هيدغر لم يشفع له عند رورتي فيفضل عليه ديوي .
 
 5- رورتي وفتغنشتاين
 
يرى رورتي أن فتغنشتاين قد حررنا من المعاني الكانطية من مثل "في الذهن" , "من انتاج العقل" , "الشيء في ذاته" , "الحكم القبلي" , وجميع الثنائيات التي لا تعرفنا في أحسن الأحوال إلا بجانب السطح والظواهر ونترك بواطن الأشياء وأعماقها مجهولة وتحيلنا إلى مواقف لا أدرية . من خلال مجهود فتغشتاين يعتقد رورتي أنه " يتوجب علينا ن نعدل عن الحلم القديم , المتقاسم بين أفلاطون ورايشنباخ الذي أيقظنا منه فتغنشتاين ذلك الحلم الذي يجعل من الفلسفة , المعرفة , ماهي المعرفة العلمية , نتيجة البحث حول طبيعة كل بحث ممكن " .
 
 
 
 
الفصل الثالث : دلالات مصطلحي الحداثة وما بعد الحداثة
 
أولاً : الدلالة اللغوية للحداثة
 
1- في اللغة العربية
 
أن مصدر الحداثة فعل حَدَثَ أي حدث االشيء يحدُثُ حدُوثاً وحَدلثَةً , وأحدثَهُ هو , فهو مُحدَثُ وحَديِثُ وكذلك استحدَثهُ . من هذا المصدر أي فعل حدَّث - تشتق ألفاظ داله على معاني اللسان في الحديث , فالحديث من حدّث وتحدّث حديثاً أي تكلم كلاما ولغة ةالأصل في اللغة الكلام كما يقال . وكذلك يشتق لفظ الحدوث في الوجود فالحدوث من حدث يحدث حدوثاً , أي وجد وأصبح حدثاً بعد أن لم يكن . نجد أيضا لفظاً يمكن إشتقاقه من مصدر الفعل حدث يدل على معنى الزمان فتصل بالمعنى الوجودي , ذلك أن حدوث الشيء يحمل بعداً زمانياً وحدوثه يكون في آن وفي وقت معين سواء كان متوقعاً أو مفاجئاً ومنه يكون منشؤه وميلاده في اللحظة التي يحدث فيها . إذن من المصدر حَدَثَ يشتق مصطلح الحداثة بدلالتين من الناحية اللغوية حَدَثَ حُدُثاً وحَدًاثة : نقيض قَدُمَ , فالناحية الدلالية اللغوية الأولى هي التقابل بين القدم والحداثة . والحديث : الجديد من الأاشياء يفيد معنى مزدوج فقد يفيد نقص الخبرة وعدم التمرس كما أنه يفيد شيئاَ جديداً لم تطله أيادي الآخرين أي بما يفيد الأثارة والأشتهاء .
 
** من أبرز الدلالات اللغوية في لفظة الحداثة ما يشير إلى الحدوث المرادف للوجود والخروج من العدم وهو نقيض القدم , والحدوث في عرف اللغويين ثلاثة أنواع :-
1. الحدوث الذاتي : كون الشيء مفتقداً في وجوده إلى الغير , وهو ما يعرف عند الفلاسفة بنظرية الجوهر , وهو ما يقوم بذاته ولا يحتاج إلى غيره .
2. الحدوث الزماني : كون الشيء مسبوقاً بالعدم سبقاً زمانياً وهو ما يعرف عند بعض الفلاسفة بنظرية الخلق أي الخلق من العدم .
3. الحدوث الأضافي : كون الشيء قد مضى من وجوده أقل مما مضى من وجود شيء آخر وهو ما يقابل نظرية التطور في بعض المذاهب الفلسفية القائلة بالتفسير عن طريق الطفرة والأنتخاب .
 
** لفظ الحداثة من الناحية اللغوية يشير إلى مدلولات مختلفة يمكننا حصر مضامينها في ثلاث خانات رئيسية من خلال جذر الكلمة حدث :-
1. مضمون الحداثة / الزمن : نقيض القدم , الابتداء , والإبداء وأول الظهور الذي يشمل الجدّة .
2. مضمون الحداثة / الخطاب : وهو يشير إليه لفظات الحديث , المحادثة , التحدث , الأحدوثة .
3. مضمون الحداثة / الوجود : هو مضمون تدل عليه كلمات عدّة كالحدوث , الحدث , الحادث , الحادثة , الحوادث , والأحداث .
 
2- في اللغات الأجنبية
 
يمكننا القول أن مصطلح الحداثة مجسداً في بداية إستعماله في صفة الحديث - لا سيما على المستوى اللغوي المعجمي والمفرداتي في اللغة الفرنسية في القرون 17 , 18 , 19 قد إنحصر في دلالتين هما :-
أ. البعد الكرونولوجي / الزماني : الذي يتعين في التحقيب من خلال وصف العصور والفترات التاريخية .
ب. البعد الأكسيولوجي / القيمي : الذي تتحد معه خصائص الأشياء المنتسبة من خلال البعد الزمني فتغدوا أحياناً إن كانت حديثة , ذات قيمة إيجابية أو العكس .
 
- إذا شئنا تلخيص المضمون المعرفي لما تدل لفظة حداثة الغربية التي مهما إختلفت لغاتها فإنها تعود إلى أصل واحد هو الأصل اللاتيني .
 
** إذن يمكن أن نحصر دلالات لفظة حداثة من جانبها اللغوي في اللغات الغربية وفق مما يأتي :-
1. الدلالة الزمانية التي تحمل بعداً كرونولوجي يصنف العصور والحقب التاريخية .
2. الدلالة التاريخية بحيث يغدو الفعل الحداثي نوعاً من الإسقاط على التاريخ .
3. الدلالة الإكسيولوجية التي تتضمن بعداً قيمياً من خلالها تكون الأحكام على الأشياء .
4. الدلالة الديناميكية التي تتجسد في الأشياء الجديدة وهذه الدلاله تحيلنا في غالب الأحيان إلى ترادف الحديث مع الجديد والشيء الذي لم يكن موجوداً من قبل .
5. الدلالة البنائية التي تشير إلى الشكل والهيأة من خلال الجذر اللاتيني modo وهو ما يحيل إلى أن الحداثة ليست مجرد تحقيب زماني بقدر ما هي بنية بأكملها .
6. الدلالة الأنسانية وتبرز من خلال جانبين :-
أ. كون الحداثة فعل بشري يتسم بإبراز الاكتسابات الجديدة والطرق والوسائل التي يسبق إستعمالها .
ب. كون صفة الحداثة حكم إنساني فيه من دلالات الاهتمام والرغبة ما يجعل هذه الصفة معياراً للتمدن والتحضر .
 
3- مقارنة بين دلالات مصطلح الحداثة في اللغات العربية والأجنبية :-
1. توافق مدلول اللغات على ترادف الحديث والجديد فالأشياء الحديثة هي منظور لغوي اشتقاقي ما نصفه بالجديد .
2. يتبع التوافق الول توافق ثاني يجعل من الجديد مدلاولاً تاريخياً ويصبح التقابل بين القديم والحديث هو ما يعطي بالأساس معنى زمانياً للحداثة .
3. توافق آخر ناتج عما سبقه يتحدد في كون الحداثة صفة للحاضر الذي نعيشه أو للأزمنة القريبة منا .
 
ثانيا : الدلالة الإصطلاحية للحداثة
 
1- مصطلح الحداثة
 
الحديث صفة للحداثة فالحديث نقيض القديم ويرادفه الجديد ويطلق على الصفات التي تتضمن معنى المدح أو الذم , ضمن هذا الطرح لا نعثر على ما يختلف فيه تعريف الحداثة في المدلول عما سبق التعرف عليه في المدلول اللغوي . الموقف الحداثي السليم يتطلب نظرة تقويمية يوازن فيها الأنسان بين ناحيتي الإيجاب والسلب في الحداثة فالحديث ليس كله خير والقديم ليس كله شر , وخير وسيلة للجمع بين محاسن القديم والحديث أن يتصف أصحاب الحديث بالاصالة , والعراقة , والقوة والأبتكار وأن يتحلى أصحاب القديم عن كل ما لا يوافق روح العصر من التقاليد البالية والأساليب الجامدة .
 
2- الحداثة فلسفياً
 
** المواقف الفلسفية تضعنا أمام تساؤل ذو وجه مزدوج :-
أ. الوجه الأول فيه نظري "يبحث عن المعنى الأساسي للحداثة  والتحديث من خلال بنيته ونمط عمله ومستتبعاته الفكرية".
ب. الوجه الثاني أقرب ما يكون إلى البعد الوجودي الذي يكون فيه التساؤل مصيرياً ويغدو معه اتخاذ موقف معين أمراً يكاد يكون حتمياً إما مع أو ضد الحداثة أو قد يكون موقفاً مبنياً على التوفيق بينهما ضمن نظرة نقدية توفيقية .
 
** تجد الحداثه منحصرة بين بعدين يشكلان ماهية الحداثة يعتبر البعد التاريخي ذو دلالة حاسمة في تحديد مسارات البشرية كما يعتبر البعد المعياري أساسياً في فهم تصنيف الحداثة تاريخياً .
 
3- تقييم الحداثة
 
يذهب هابرماس إلى إعتبار الحداثة " وعي عصر ما يحدد نفسه بعلاقاته بماضي العصور القديمة ويفهم ذاته كنتيجة انتقال من القديم إلى الحديث " , أكثر من اعتبارها مسألة تحقيب زمني تصبح معه الحداثة وصف للتطور .
فالحداثة هي أقرب في المعنى إلى ما يصفها به آلان تورين من أنها أكثر من كونها " مجرد تغيير أو تتابع أحداث : إنها إنتشار لمنتجات النشاط العقلي العملية , التكنولوجية , الأدارية . فهي تتضمن عملية التغيير المتنامي لعديد من بين قطاعات الحياة الأجتماعية : السياسية والأقتصادية والحياة العائلية والدين والفن على وجه الخصوص , لأن العقلانية الأداتية تمارس عملها في داخل النشاط نفسه " , هي إذن ظاهرة متعددة المعالم .
 
 
ثالثا : ما بعد الحداثة
 
ونحن نتساءل عن مفهوم ما بعد الحداثة . نتأمل موقف جان بودرييار عنها الذي يذهب إلى القول " هي حالة من فقدان المركزية , ومن التشعب , نساق فيها من مكان إلى مكان عبر سلسلة متصلة من السطوح العاكسة كالمرايا المتقابلة تجذبنا صرخة الدال المجنون ".
 
** وقد أثار إستخدام مصطلح ما بعد الحديث أو ما بعد الحداثي جملة من المفاهيم يمكن إجمالها في :-
1. إشارة إلى مفاهيم عديدة لمعنى الحداثة في الفنون والعمارة ولمعنى التحديث الذي أصبح سمة "المجتمعات الحديثة".
2. إشارة إلى مفاهيم عديدة عن الحقبة الحديثة الممتدة من عصر النهضة إلى العصر الحاضر .
3. إشارة إلى تعريف (modernism) على أنها محصلة "الحداثة" و "العصري" و"التحديث" , أي التأليف بين مفاهيم ومدلولات الحاضر وفعل الأصلاح والتجديد والتحولات الحاصلة على أكثر من صعيد .
 
** فأنه لا يتأتى لنا إدراك معنى ومضمون ما بعد الحداثة من دون الرجوع للحداثة وتفكيك أساطيرها .
 
1- مدلولات الــ " مابعد "
 
الجزء الاخر المكمل لهذا الفهم هو الــ"مابعد" (بوصفها إشارة إلى الأنفصال عن مكونات الحديث أو إستمراره أو بوصفها مزيجاً من الأثنين أو جدلية للانفصال والأتصال ).
ومثل ما يقول هابرماس بشأن الحركات الفلسفية فإن ( "ما بعد" , ليست فقط إنذارات انتهازية تشتم ريح العصر , بل يجب أخذها بجدية والنظر إليها على أنها مقياس زلزال عقل الزمن ).
يذهب إمبرتو إيكو إلى القول بأن ما بعد الحداثة "ليست تياراً حتى يتسنى تحديده زمنياً بل هي باب مثالي أو أسلوب عمل نموذجي ويمكن القول أن كل حقبة لها ما بعد الحداثة الخاصة بها بنفس الصورة التي يكون لكل حقبة نزعة للتأنق خاصة بها", من خلال هذا يكون معنى "مابعد" منحصراً في إحدى الدلالتين الزمان والأسلوب .
 
 
2- مفهوم ما بعد الحداثة
 
نكتشف في كل ما ذكر أن وضع مفهوم ما بعد الحداثة ليس بأحسن حال من مفهوم الحداثة من ناحيتي الضبط والوضوح . من هذا المنظور تكون المفاهيم والمصطاحات خاضعة لقاعدة التطور والتغيير والأختلاف وهو الأمر الذي ينطبق على مفهوم ما بعد الحداثة .
وفي الفلسفة فإن فكرة ما بعد الحداثة نشأت من نقد العقل والذي أعتبر أول رد فعل إزاء تحولات الأوضاع الأجتماعية .
فمن السخف إذن وصف ما بعد الحداثة بأنها "نزعة غير عقلانية أو تيار فكري مضاد  للعقل , على ما رأى إليها هابرماس . ذلك أن نقد العقلانية كما مارسه مفكروا ما بعد الحداثة , لا يعني نفي العقل بقدر ما يعني توسيع إمكانياته بالحفر في المناطق المستبعدة أو المرذولة من النشاط العقلي , أو بإستنباط صعد جديدة لعمل الفكر واستنبات المفاهيم".
 
3- تاريخية ما بعد الحداثة
 
يمكن أن نحدد لحظات حاسمة بالنسبة لمفهوم ما بعد الحداثة تتمثل في المحطات الآتية :-
أولاً : في الفترة الممتدة قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها إستخدم المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي , مصطلح ما بعد الحديث قاصداً به الحقبة الأخيرة من التاريخ الغربي أي حقبة تتسم بالعقلانية والقلق وفقدان الأمل .
ثانياً : في إستخدام المصطلح في ميادين ليست فلسفية من طرف الناقد تشارلز جينكس حيث أخذ المصطلح بدءاً من 1975. دلالته القريبه مما هو متداول اليوم "مزاوجة الشفرات كما يوحي بذلك اللفظ ذاته post-modernism" الذي يعني إستمرار الحداثة .
ثالثاً : في إستعمال المصطلح فلسفيا وقد كا ذلك متأخراً من طرف جان فرانسوا ليوطار عندما أكد في كتابه "الوضع ما بعد الحداثي" , الصادر سنة 1979 , على ضرورة أن يتأقلم الأنسان في العيش من دون "ميتاروايات" وهي بمثابة أساطير أو مذاهب تاريخية في التقدم والتي غزت المجتمعات الحديثة حتى الفترة المعاصرة .
 
** يعتبر رورتي أن منشأ ما بعد الحداثة يمكن في الوعي التام بما قدمته البراغماتية من تصورات ترفض الاقرار بعدم وجود وجهة نظر يمكنها الأفصاح عن الحقيقة المطلقة للوقائع أو تتيح لنا تحديد ماهية الأشياء . وتبعاً لهذا يرى رورتي أن النتائج المترتبة  على هذا الاقرار تتصل بميادين المعرفة , الأخلاق والسياسة وهي :-
1. إتفاق الكائنات البشرية فيما بينها أفضل من معرفة الحقيقي .
2. نقد المعرفة العلمية بوصفها عقلاً أسمى ومصدر للسلطة .
3. أولوية الأرادة والحرية الانسانية على المعرفة .
4. أولوية الديمقراطية على الكفاءة الذهنية وأولوية المحادثة على منطوقات المعرفة .
5. رفض جزئي للعقلانية الموروثة عن الأنوار والأزمنة الحديثة .
6. الدعوه إلى التخلي عن كل محاولة للتبرير والأثبات على أسس من العقل .
7. إعتبار الفلسفة عنصراً من عناصر الثقافة البشرية دون إلباسها ثوب القداسة .
8. إعتبار الفضاعة والقسوة أقصى ما يمكن تجنبه بالنسبة للمجتمعات الديمقراطية الليبرالية .
9. ينبغي النظر إلى الفلسفة بوصفها نوع من المحادثة الأنسانية ونوع من الكتابة الأدبية والدعوة إلى محو الحدود التي وضعت بين الفلسفة , الأدب والعلوم الأنسانية .
10. ضرورة إنفتاح الفكر الفلسفي على تجارب الأبداع الأدبي الكفيلة بإطلاعنا على صور الفضاعة .
11. التفاؤل بإمكانية تحسين ظروف الكائن البشري من خلال الطموح والأمل الذي جعله رورتي أولياً على كل معرفة .
 
** ما بعد الحداثة هي أقرب ما تكون إلى حركة فكرية تتعدد بداخلها الآراء وتتفرع إلى إتجاهات تتباين في المصدر والتوجه ولكنها قد تشترك في خصائص بعينها منها :-
أ. التمرد على الحداثة وقد تجلى هذا التمرد في الحركات الفنية المعاصرة وبوجه خاص منها فن العمارة .
ب. إنبثاق تيار فلسفي عرف بإسم ما بعد البنيوية مثله بالخصوص ميشال فوكو , التي تتشابه إلى حد كبير في بعض ملامحها مع ما بعد الحداثة .
ج. بروز نظرية المجتمع ما بعد الصناعي وهي نظرية تشير إلى بروز مفهوم المجتمع الحديث بوصفه مجتمعاً ما بعد صناعي وقد يشار إليه بمجتمع المعرفة أو المعلومات .
 
 
4- تجاوز الحداثة أو المرور إلى ما بعد الحداثة
 
يُبرز موقف ليوطار من  فشل الحداثة , أن الأحداث التي طبعت النصف الأول من القرن 20 تعتبر بمثابة رموز ودلالات على إنهيار المشروع الحداثي . يقدم ليوطار تصوره المبسط لما بعد الحداثة بوصفها "أنكاراً أو شكاً إزاء الروايات الكبرى فهذا الأنكار إن كان دون شك أثراً لتقدم العلوم غير أن هذا التقدم بدوره يفترضه" , لقد إعتبر ليوطار أن "الروايات الكبرى" فقدت مصداقيتها وهي أشبه بالاساطير , الهدف منها تبرير المؤسسات والممارسات الأجتماعية والسياسية , التشريعات , الأخلاق وطرق التفكير .
 
 
5- مقارنة الحداثة وما بعد الحداثة
 
يجملها مقال إيهاب حسن , وهي عبارة عن اطروحات تتسم بخاصيتي التجديد والتفكيك وهذه الأفكار هي :-
1. تيار ما بعد الحداثة يعتمد على تجاوز الصيغة الأنسانية للحياة الأرضية بصورة عنيفة يكون في التجاذب بين قوى الرعب والمذاهب الشمولية , التفتت والتوحد , الفقر والسلطة .
2. تيار ما بعد الحداثة نابع من اتساع للوعي من خلال منجزات التكنولوجيا والتي إستحوذت على دوائر المعرفة في القرن العشرين أو هي حجر الأساس في المعرفة الجديدة .
3. تيار ما بعد الحداثة يتبدى في إنشاء اللغة كمقوم إنساني وفي غلبة الخطاب والعقل .
4. تيار ما بعد الحداثة يسعى إلى تقديم نمط جديد من إلتقاء الفن بالمجتمع أو الدعوة إلى (الثقافة الشعبية) في مقابل ثقافة نخبوية ميزت الحداثة أو بحسب تعبير فيدلر بأن ما بعد الحداثة تعبر عن الفجوة بين الثقافة الراقية والثقافة الشعبية .
5. تيار ما بعد الحداثة يتطلع إلى الأشكال المفتوحة , المرحة والطموحة , والإنفصالية والمهجورة أو غير المحدودة لتكوين خطاب مؤلف من شظايا أو تكوين إيدولوجية التصدع التي تعمد إلى الحل والفض وتستنطق الصمت - رغم كل ذلك فإن تيار ما بعد الحداثة ينطوي أيضاً على عكس هذه المكونات ونقائضها .
 
 


الأربعاء، 12 ديسمبر 2012

قراءة وملخص لكتاب "السنوات الخمسون القادمة"

" السنوات الخمسون القادمة "
 
مقدمـــــــــــــة
 
 
كتاب يتحدث عن المستقبل وحال البشر والعلم بعد خمسون عاما , وأنا أقرأ هذا الكتاب خيّل لي أني إمتلكت آلة الزمن وذهبت برحلة سبرتُ من خلالها المستقبل البعيد , وكثيرا كنت أغمض عيناي عند الإنتهاء من كل مقال وأتخيل حال العالم والعلم والأنسانية ومدى التقدم التكنولوجي الذي سيكون عليه العالم والأنسانية , الكتاب عبارة عن مقالات منفصلة كتبها 25 عالما من العلماء الكبار العالميين جمعها جون بروكمان وترجمها إلى العربية مروان أبو جيب , طبع الكتاب في سنة 2004م .
ينقسم الكتاب إلى قسمين :-
1. المستقبل من الناحية النظرية .
2. المستقبل من الناحية العملية .
لكن لا أخفيكم سرا أنني بعد قراءتي لهذا الكتاب أصابني بعض الحزن على عالمنا العربي والأسلامي , وأننا كشعوب ليس لنا تأثير في العلم أو العالم نحن شعوب فقط مستهلكة وغير منتجة , وكيف أن العالم يخطط للمستقبل البعيد ويحاول البحث عن بدائل وحلول ليكون العالم أسهل , والبحث عن أراضي غير الأرض كالإستيطان على المريخ مثلا ونحن ما زلنا نبحث عن كيفية الوضوء أو الأختلافات بين المذاهب , كم كنت حزينا وأنا لا أجد عالما واحدا عربيا أو إسلاميا يبحث عن المستقبل ويعطي الحلول لما سوف يكون عليه العالم غدا , نعم أتفق معكم أنها ليست مشكلة الشعوب وحدها لكن يتحمل الجزء الأكبر من هذا الجهل الذي نحن فيه أنظمتنا السياسية التي تصرف على الأسلحة دون إستفادة منها وتهمل الإستثمار في الأنسان العربي والأسلامي , يبدو أنه أخذتني النشوة وأنا أكتب عن همومي عن حالنا كعرب ومسلمين لذا من الأفضل أن أترككم مع ملخص للكتاب الذي حاولت فيها إبراز ماهو مهم في هذا الكتاب وأتمنى أن تستفيدوا من جهدي المتواضع .
 
يطرح لي  سمولن " عالم فيزيائي " عدة أسئلة عن مستقبل طبيعة الكون , مثل ماهو الأنفجار الكبير ؟  وما الذي حدد خواص الكون الذي انبثق عنه ؟ هل يعود أصل الكون إلى هذا الأنفجار الكبير ؟ وفي حالة النفي .. فماذا حدث قبله ؟
يأمل هذا العالم أن يتم الأجابة على هذه الأسئلة في خلال الخمسون السنة القادمة من خلال التطور العلمي الهائل في علم الفضاء والفلك .
 
من ناحية أخرى يطلق مارتن ريس "أستاذ الفلك والفلسفة التجريبية " , تحديا من نـــــــــــوع آخر (( هل نحن وحدنا , وأين ؟)) !!
يقول " التحدي الاستكشافي الأكبر للسنوات الخمسين التاليات لا يكمن في العلو الفيزيائية ولا في علم الأحياء(الأرضي) , بل يكمن بالتأكيد في البحث عن دليل ثابت يؤيد أو يعارض وجود مخلوقات ذكية غير أرضية "
ويطرح سؤالا إذا ظهرت الحياة البسيطة فما وجه الغرابة في تطورها إلى شيء يمكن أن نعرّفه بأنه مخلوق ذكي غير أرضي ؟!
ولا يخفي الكاتب عدم توقعه وجود حياة متقدمة في أي مكان آخر من مجموعتنا الشمسية ولكنه بنفس ذات الوقت يقول أن شمسنا ليست إلا واحدة من بلايين النجوم في مجرة درب التبانة وحدها , ويطرح سؤالا أكثر تشويقا هل يمكن للكواكب التي تدور في أفلاك النجوم الأخرى أن تحتوي على أشياء ممتعه ودخيلة أكثر مما قد نجد غلى المريخ ؟ وهل يمكن أن تكون مأهولة بكائنات قد نستطيع أن نميز أنها ذكية ؟!!
 
في مقال " الرياضيات سنة 2050 " لــ إيان ستيوارت عالم رياضيات , حيث أنه يؤكد أن الرياضيات العلم الوحيد الذي لم ينقطع منذ عهد البابليين القدماء .
لكنه يؤمن بأن السنوات الخمسون القادمة ستشهد ثورات رئيسية كثيرة في الرياضيات بدأ بعضها بالظهور " تأثير الكمبيوتر" .
في مقالة يتحدث عن مصادر قوة الرياضيات من أهمها :
1. العالم الحقيقي " قوانين الطبيعة "
2. الخيال البشري .
في نهاية مقالة يؤكد أن الرياضيات سوف تغزو نواحي جديدة في مجال الأنشطة البشرية في علوم الأجتماع والفنون وحتى السياسة , وسوف تساعد الرياضيات على فهم أنماط الكون من خلال هذه الأنماط ذاتها وليس من خلال بلايين الأرقام العقيمة ..!!
 
في مقال " تحت ظلال الثقافة " يكتب بريان جودوين عالم الأحياء , عن العلم كأسلوب حياة , ويطرح وجهة نظر متشائمة نزعا ما عن العلم والتكنولوجيا حيث يقول " نحن نغرق دون أن ندري في عصر إنحطاط أشد خطرا من حرب الثلاثين سنة , لأن التفكك اليوم منتشرا بشكل عالمي " .
يتحدث في هذا المقال عن الجدلية العلمية عن مذهب المادة ومدى حيويتها وعن الوعي الأنساني بما حوله ويحدد أصل وطبيعة الوعي وهو الشعور فمشاعرنا تشكل مع أفكارنا مضامين المعرفة البشرية .
في نهاية مقاله يقول أن علمنا الحالي عن الكميّات قد وفر لنا القدرة على إنتاج بضائع تكفي لمواجهة حاجات جميع سكان الأرض ولكن تركنا تجاه جودة الحياة التي تتدنى بسرعة في أنحاء العالم , من تلوث وإنحباس حراري وتدمير للكوكب .
 
في مقال " العقول القابلة للمبادلة " يقول مارك دي . هاوزر عالم عصبي إدراكي , أننا نستطيع اليوم أن نبادل أنسجة دماغية ليس بين أفراد من نفس الصنف فحسب بل بين مختلف صنوف الكائنات الحية , ففي السنوات الخمسين التاليات سيكون هذا العلم العصبي الأحيائي دقيق الصنع .
وأيضا من الأشياء التي تحدث عنها المقال عن التجارب التي أجريت على القردة وثعالب الماء وكيف أن العلم يستطيع أن يكشف عن مشاعر الحيوانات وعما تريد , وكيف يمكن أن تستثمر هذه المعرفة في مجالات علمية جيده , غير أن التكنولوجيات الموصوفة لم تنضج بعد على ضوء التطورات الحديثة في علم الموروثات والدماغ .
 
في مقال " الأشياء التي سيعلمها الأطفال للعلماء " لــ أليسون جونبيك أستاذة علم النفس ,  تشرح من خلاله كيف تعلم الأطفال واستقبال المعلومات والقيام بالاستنتاجات حالهم كحال العلماء .
هي تعتقد أن أدمغتنا لديها القدرة على أن تعطي الافتراضات لما حولنا لكنها توضح أن آلية عمل أدمغتنا لا تزال مجهولة , إلا أنه في الفترة الأخيرة حصل تقارب مماثل لأفكار جديدة عن التعلم من تخصصات مختلفة , فلسفة العلوم والذكاء الاصطناعي والأحصاء وعلم النفس التطوري يمكن أن يؤدي هذا التقارب في غضون السنوات الخمسين التاليات إلى نظرية مكتملة النواحي حول الكيفية التي نتعلم بها .
وهي تطرح أنه في المستقبل سنتوصل إلى معرفة العمليات الكمبيوترية التي تقوم بها أدمغتنا وبما أن دقة تكنولوجيات تصوير أدمغتنا تتزايد فأننا سوف نبدأ بالنظر في كيفية تصميم أدمغتنا حتى تتمكن من القيام بهذه العمليات الكومبيوترية .
 
تدور فكرة مقال " نحو نظرية حول التطور الخُلُقي " لــ بول بلوم عالم النفس , أنه في خلال الخمسون عاما القادمة يأمل بتطوير وتحديد وإيجاد نظرية التطور الخُلُقي بديلا عن نظرية علم النفس الأدراكي ونظرية النشوء وترجع أهمية هذه النظرية التطور الأخلاقي على الأسرة هو أن الأباء يريدوا أن يعرفوا عن الطريقة في تربية أبنائهم أو بالطريقة التي يقومون بها بتوجيههم .
في نهاية المقال لدى الكاتب نظرة متفائلة في السنوات الخمسون التالية بأن علم النفس سيكون علما أكثر نضجا يطبق طرقا ورؤى نظرية أثبتت فعاليتها بشكل جيد في مجالات مثل الأدراك الحسي مرورا إلى مجالات أكثر حساسية وأقل إدراكا مثل " الفكر الخُلُقي" .
 
في مقال " مستقبل السعادة" لـــ ميهالي كسيكز عالم النفس , يتحدث عن مستقبل السعادة في السنوات القادمة وعن أسبابها التي تؤدي بطبيعة الحال لسعادة البشر وهل الموروثات الجينية دور في إنتقالها من جيل إلى جيل وهل يمكن خلق السعادة عن طريق الهندسة الوراثية .
هنا يعرف السعادة " أنها حالة لا يرغب المرء معها بشيء آخر " , ويصف السعداء بأنهم لا يميلون إلى وضع قيمة عالية للمتلكات المادية وهم أقل تأثرا بالإعلان والدعاية ... لماذا ؟ لأنهم سعداء بألاصل ..!!
في هذا المقال يطرح الكاتب أحد المواضيع التي سيتم التركيز عليه في السنوات الخمسين التالية .. هو كيف نستخدم قدراتنا في التحكم في بنية موّرثات الجنس البشري ؟؟
 
مقال " هل سنبقى على حزننا بعد خمسين سنة من اليوم " لـــ روبيرت م . سابولسكي أستاذ العلوم الحيوية ,, يطرح في مقاله عن أمراض العصر ما قبل وما بعد لبخمسون عاما من ضمنها القضاء على الجدري ويتحدث عن الملاريا والإيدز , ولكنه يركز في هذا المقال على مرض نفسي سيهدد الأنسان آلا وهو " الاكتئاب " هنا يعرفه أنه مرض نفسي واضطراب حيوي في الوجيهات الوراثية والكيمياعصبية والهورمونية يؤدي إلى مرض عقلي وهو اضطراب حساس بشكل عميق تجاه بيئة تؤدي إلى شعور بالعجز مما قد يؤدي به إلى الانتحار .
هنا يرى أنه في السنوات الخمسين التالية أن مرض الاكتئاب سيصبح أكثر إنتشارا إلى حد كبير .
يفترض الكاتب في هذا المقال أن الحزن سيتزايد في ظل التقدم العلمي والعوامل التي تخفف من شعورنا بالعجز !! , يعلل على ذلك بأن كثير من الكآبة الموروثة ما زالت موجودة في حضارتنا الحالية .
يدلل على أن نواة إستقرار المجتمعات ( الأسرة ) ستكون أكثر تفككا وأقل ترابطا بين أفرادها , لذا هو يرى أنه سيستمر حزننا في الخمسون السنة التالية .
 
في مقال " هل هناك نشوء ثان ؟ " لـــ بول ديفيس عالم فيزيائي نظري , فكرة المقال قائمة عن البحث عن كواكب أخرى للحياة كــ"المريخ" .
يطرح تساؤلا في مقاله هل نحن وحدنا ؟ يرى أن كوكب المريخ سيبقى عناية بالاكتشاف البشري وقد يكون المريخ فرصتنا الوحيدة لدراسة نشوء ثان في موقع آخر حيث الحياة انبثقت من العدم .
يرى بول رغم أنه قد يستغرق بضعة عقود من السنين فإنه لا يرى سببا وجيها يمنع الرجال والنساء من الذهاب إلى المريخ بحلول 2050 .
في نهاية مقاله يقول بول أن البحث عن الحياة فيما وراء الأرض يقف متوازنا غند عتبة النجاح يعول كثيرا على النتائج لأن البحث عن الحياة في مكان آخر هو أيضا بحث عن أنفسنا : من نحن وما هو مكاننا في هذا المخطط الكوني العظيم ؟!!
 
في مقال" الشيء القادم وكيفية التكهن به " لـــ جون هولاند عالم النفس , يحدد الآلية التي مكن التكهن بها للاحداث على مدى الخمسون السنة القادمة في جميع المجالات وهنا يضع أنماط للاستنباط التكهنات :-
1. يتم نوضيح الافتراضات التي تقوم عليها التكهنات بحيث يستطيع الآخرون أن يحكموا على وثيقية الافتراضات بالموضوع ودرجة حسن التكهنات .
2. تكون النماط ذات الصياغة الجيدة قياسية حتى يتسنى إرجاع الأخطاء إلى وحدات القياس ذات الصلة وإلى الاجابات الغير موجودة أو إقتراح صيغ معدلة أو وحدات قياس جديدة من أجل التحسين .
3. تشجع الانماط على إعادة العمل ضمن ظروف وأفعال مختلفة (إختبار شامل) لبيان قوة التكهنات .
يتحدث جون في هذا المقال عن التطور التكنولوجي خلال الخمسون السنة القادمة والتغيرات الأجتماعية بنفس ذات الوقت في الأولى متفائلا أما في الثانية متشائما نوعا ما , حيث أنه يقول الأولوية الأولى على مقياس الخمسون السنة القادمة هي إنقاص عدد سكان الأرض من البشر إلى كم أكثر تناسبا مع مصادر الطاقة المتجددة , بعض أكثر مشاكلنا خطورة - إنتاج غذاء لا يكفي وإستنزاف الغابات وزيادة الحرارة على الكوكب - تعود إلى زيادة البشر بالنسبة للمصادر , ويعطي مثالا على تعامل الدول للانقاص من عدد سكانها في المستقبل على الصين .
يختم مقاله بتفاؤل كبير حيث أنه يؤكد أننا سنتمكن في غضون الخمسون السنة التالية من أيجاد قواعد على القمر والمريخ أو الدوران حول المشتري !!!
 
في مقال " هل سنصبح أكثر ذكاء ؟ " لـــ روجر .س. شاينك باحث في الذكاء الاصطناعي ,,فكرة المقال قائمة على مستقبل التعليم في السنوات الخمسون القادمة , هنا ينسف الأفكار المفهومة ضمنيا عن الذكاء وعن التعليم في القادم من السنوات .
يتحدث في هذا المقال عن سهولة الحصول على المعرفة في المستقبل ويطرح فكرة ثورية في التعليم فما أن يرفع الأنسان صوته بما يريد أن يعرف إلا ويسمع الجواب الفوري من الجدران محسّناً بفعل قدر كبير من التكنولوجيا ضمن هذه الجدران بالطبع , يتساءل الكاتب هل الذكاء مجرد القدرة على أن تصل إليك أجوبة أسئلتك أم تراه القدرة على معرفة الأسئلة التي يجب أن تطرح ؟!
ينتقد في هذا المقال أسلوب التعليم في المدارس حيث أن المدارس أصبحت نظاما سائدا لتعلم الأجوبة بدلا من تعلم كيفية طرح الأسئلة ؟؟!!
لكنه مؤمن جدا أن التكنولوجيات الجديدة سوف تغير كل هذا !!
يطرح سؤالا آخر جوهري " ماذا يعني أن تكون متعلما أو مثقفا في عالم هذا ممكنا فيه ؟ ماذا يعني أن تكون ذكيا ؟ "
يقصد بالطبع الحصول على المعلومة بالطرق الغير التقليدية "كطرح الأسئلة على الجدران المحسنة تكنولوجيا " !!
في الجزء المتعلق بالتعليم مستقبلا يقول بعد خمسون سنة ستكون المدرسة التي نعرفها قد ضمرت بسبب قلة الأهتمام , لماذا نذهب إلى المدرسة لنتعلم حقائق حين تتوفر الخبرات الافتراضية مع أفضل الأساتذة الافتراضيين في العالم بصورة إفتراضية جاهزين تحت الطلب في أية لحظة ؟
سوف نبدأ خلال الخمسون السنة القادمة في إدراك الخبرة وقدرة المرء على توسيع نطاق هذه الخبرة هو إجراء نهائي للذكاء وهو التعبير المطلق للحرية , وسوف تسيطر الخبرات الافتراضية على بيوتنا وستكون قد حلت محل مدارسنا ..!!
 
 
 
تمت